الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الأستاذ جوهر بن مبارك يتحدّث عن السبسي والنداء و"الخلافة" والإرهاب ويكشف..

نشر في  25 نوفمبر 2015  (10:11)

المصالحة الوطنية ستقسم التونسيين لأنها في خدمة «المفسدين»

أدعو مسؤولي الدولة الى كشف الحقيقة..واستـقـالة مـن لا يقـدر علــى النجـاح  

نواب النهضة خلقوا جدلا وهميا بسبب المحكمة الدستورية


عرف أستاذ القانون الدستوري ومنسّق «شبكة دستورنا» جوهر بن مبارك بمواقفه الشرسة وجرأته في التعاطي مع جلّ القضايا التي تشغل بال المواطن التونسي وخصوصا في الشأنين الحقوقي والسياسي، وهو ما جعله محط أنظار سلّطت عليه بسبب هذه المواقف ومن بينها انتقاده الشديد مؤخرا لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إلى جانب معارضته الشديدة لمشروع قانون المصالحة الوطنية..
حول هذه المسائل وغيرها، كان لنا لقاء مع الأستاذ جوهر بن مبارك كشف لنا خلاله عن موقفه بخصوص العديد من القضايا فكان هذا الحوار...

- كنت وجهت انتقادات حادة لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مما أثار حفيظة العديد، فماهو تعليقك؟
في الواقع تجدر الإشارة الى أنّ المسألة لا تتعلّق بي شخصيا بل بمواقف جزء كبير من الشعب التونسي خاصة ممن منحوا أصواتهم للباجي قائد السبسي فأصيبوا بخيبة وإحباط كبيرين بعد جملة الخروقات والأخطاء التي تراكمت تباعا فلم تكن بذلك المسألة وقتية بل مرحلية..
كما أنّ هنالك العديد من الأسباب جعلتني اتخذ هذا الموقف ومنها أنّ خطة رئيس الجمهورية تترتّب عنها من خلال النظام الدستوري والنظام السياسي القائم مجموعة من الواجبات ودور وطني يتحتّم علي الرئيس تفعيله والالتزام به، وانطلاقا من هذا أتساءل هل أن رئيس الجمهورية يمارس واجباته الدستورية ودوره الوطني على أحسن وجه؟ مع العلم أن الواجبات ليست الصلاحيات.
وما أود قوله هو انّ الباجي قائد السبسي رغم واجباته الدستورية التي تحتّم عليه ضمان علوية الدستور واحترامه، فقد رأيناه ملازما للصمت في جملة من الخروقات التي حدثت في الدستور في ما يتعلق مثلا بمسألة الآجال الدستورية وكذلك في مسألة المجلس الأعلى للقضاء وأيضا مشروع المصالحة الوطنية...
للأسف كان يتحتم على رئيس الجمهورية اتخاذ موقف صارم لحماية الدستور وحماية علويته لكن هذا لم يحدث، ثم إن رئيس الجمهورية بادر بطرح مشاريع قوانين مخالفة للدستور التونسي على شاكلة مشروع المصالحة الوطنية الذي اعتبره مشروعا لا دستوريا ومقسّما للشعب التونسي..
- لو توضّح لنا كيف سيساهم مشروع المصالحة الوطنية في تقسيم الشعب التونسي في حين أنّ العديد من الملاحظين أكدوا ـ خلافا لرأيك ـ أنه سيكون المشروع المجمّع للتونسيين؟
في الحقيقة المسألة لا تتعلّق بالمصالحة الوطنية بل بالمصالحة المالية والاقتصادية مع المفسدين، حيث بات من الواضح أن هذا المشروع قسّم الشعب التونسي بين مؤيّد له ومعارض، ومن هنا أؤكد أن واجبات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في الدستور هي الحفاظ على حماية وحدة المجتمع وتماسكه لا تفريقه وتشتيته..
ولهذا أقول انّ مبادرات الرئيس في هذا الجانب لن تزيد إلا في تضخيم الفرقة والخلاف خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تمرّ بها البلاد..
أمّا في ما يتعلّق بالدور الوطني الذي يتوجّب على رئيس الجمهورية القيام به بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة فإنّي أرى أنه ورغم جهود الوحدات الأمنية والعسكرية في مجابهة الإرهاب وعدد الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن فإنّ رئيس الدولة لم يقم بواجباته تجاه عائلاتهم حيث لم نشاهده زائرا لأيّ عائلة من عائلات الشهداء..
وإذ كنّا نلوم الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي على تأبينه للشهداء بشكل مبالغ فيه، فهذا لا يجيز لرئيس الجمهورية التحوّل من الأقصى إلى الأقصى..
هناك أيضا مشكلة كبيرة في عدم احترام رئيس الجمهورية للدستور، تجسّدت عبر مسألة استقالته من الحزب الذي أسسه «نداء تونس»، حيث تبيّن بالكاشف أنها مجرّد استقالة شكلية وصورية انعكست من خلال إدارته للصراع بين أجنحة النداء المتخاصمة داخل القصر إلى جانب زجّه برئاسة الجمهورية في هذا الصراع الحزبي الذي يتوجّب أن تكون بمنأى عنه..
- لكن رئيس الجمهورية أعلن مرارا حياده عن صراعات حزبه بل انّ قيادات النداء أكدت أنّ توجهها له كان على أساس اعتباره الرئيس الشرفي للحزب والأب الروحي له وليس باعتباره رئيسا للجمهورية، فما ردّك؟...
هذه الرمزية تنتهي عندما يصبح رئيس الحزب رئيسا للجمهورية لأنّ رمزية الدولة ورمزية رئيس الجمهورية أعلى وأهم من رمزية رئيس الحزب.. وهذا لا يعطي إلا انطباعا بأن رئيس الجمهورية رئيس فريق وليس رئيسا لكل التونسيين، ثمّ  إن رئيس الجمهورية لمّا يدير صراع «الخلافة» على السلطة فإن هذا يعيدنا إلى حقبة لا علاقة لها بالنظام الديمقراطي ولا بالنظام التعددي ولا بسيادة الشعب..
إذن كل هذه الأسباب جعلتني أقول انّ رئيس الجمهورية يزج بالبلاد وهي في مرحلة هشة في طريق مسدودة..
- بمناسبة الحديث عن نداء تونس، ترى ماهو تحليلكم لما يحدث داخله اليوم؟
ما يشهده حزب نداء تونس متوقع منذ البداية.. ثمّ أني أعتقد انّه اليوم في رحلة البحث عن هويته السياسية فبعدما نشأ على هوية سياسية ذاتية مناهضة لحكم الترويكا، نراه اليوم متمزّقا بين كتلتين كبيرتين ـ بقطع النظر عن الأشخاص ـ إحداهما تنتمي إلى العائلة التجمعية الدستورية وتعتبر أن نداء تونس حزبها وخيمتها وأن الفضل كان لها في نجاحه في الانتخابات  بفضل الماكينة الانتخابية والتمويل..
وهنالك جبهة أخرى تعتبر نفسها لا تنتمي إلى العائلة المذكورة وهي خليط من روافد مختلفة نقابية ويسارية وديموقراطية، ويعتبر المنتمون إليها أيضا أن لهم الفضل في نجاحه في الانتخابات بعد مساهمتهم في إعطائه صورة الحزب الحديث واخراجه من الصورة النمطية كحزب تجمعي..
حقيقة أعتبر أنّ هذا الصراع ماض اليوم في اختراق الحزب، وفي اعتقادي أنه لن يهدأ إلا عندما يتولى النداء تحديد هويته السياسية النهائية بمعنى أنه إما سيذهب في اتجاه حزب حداثي مدني أو سيكون مواصلة للتجربة الدستورية والتجمعية..
- في إطار «الدستورية» دائما، ماهو رأيك في الجدل القائم حول مشروع قانون المحكمة الدستورية وشرط استقلالية قضاتها عن الأحزاب السياسية؟
أعتقد أنه بالنسبة لقانون المحكمة الدستورية، هنالك جدل حقيقي وآخر مختلق ووهمي، فأمّا  في ما يخص المشكلة الوهمية والمتعلقة أساسا بمسألة النظام الجمهوري ودور المحكمة في حمايته والجدل القائم بخصوص الفصل الأول، أعتقد أن حرص نواب حركة النهضة على حذف هذا الاختصاص وكذلك الصرخات التي تطلق للتحذير من هذا هي في الواقع غير حقيقية لأنّ إقامة دولة الخلافة لن تتم بمقتضى تعديل الدستور وشرعية الدساتير، بل بمقتضى منطق العنف والغطرسة والغصب وشرعية الأمر الواقع..
أمّا في ما يخص المشاكل الحقيقية التي تتعلّق بهذا القانون فإنّ بعضها تمّ تجاوزه مثل مسألة الحياد الحزبي، فحسمت في اتجاه منح العضوية لكل من انتمى إلى حزب خلال الـ10 سنوات الأخيرة.. إلى جانب مسائل أخرى لم يتم تجاوزها بعد وسقطت في التصويت..
 هنالك أيضا إشكالية تمّ التصويت عليها مثل وجوبية عرض مشاريع قوانين المصادقة على المعاهدات الدولية، فمجلس نواب الشعب قبل التعديل يقرّ أن عرض هذه المشاريع هو اختياري وليس إلزاميا من قبل رئيس الجمهورية بمعنى أن هذا الأخير يختار معاهدات لعرضها على المحكمة ومعاهدات أخرى يختار عدم عرضها..
وهذا بطبيعة الحال يتنافى مع الفصل 120 من الدستور كما أنه في مثل هذه الحالة عندما يصبح العرض اختياريا فهو يدخل في الاختصاصات العادية لرئيس الجمهورية ويصبح كامل الفصل المصادق عليه «غير ذي موضوع»..
- لو كنت مكان الباجي قائد السبسي أي رئيسا للجمهورية التونسية، ماهي أبرز الاجراءات التي كنت ستتخذها؟
حقيقة ليس لدي لا الرغبة ولا النية في بلوغ هذا الموقع ولكني كمواطن يتوجب علي تقديم رأيي والإدلاء بمواقفي..
- بالحديث عن مسألة مجابهة الإرهاب، هل تعتبر أنّ تونس صاغت قوانين ناجعة واتخذت اجراءات فعّالة لمحاربة هذه الظاهرة الدولية خاصة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة في تونس وفرنسا ؟
أرى أنّ تعامل الدولة التونسية مع الإرهاب ومجابهته على المستوى العملياتي وعلى مستوى المؤشرات الأساسية للأمن، في تقدّم واضح وجلي أكدته النجاحات الميدانية والفعلية التي قامت بها الوحدات الأمنية والعسكرية الباسلة، حيث نراها تفكّك بشكل منظّم أغلب الشبكات الناشطة والنائمة وتسعى حثيثا لدحر هذه الآفة من بلادنا.
في المقابل اعتقد أنّ هناك فشلا في اقتصار ردة الفعل عند التصدي للظاهرة الإرهابية على الأسلوب الأمني، بمعنى أن الدولة إلى حد الآن لم تقدم أي منهج آخر لتدعيم مجابهة للظاهرة الإرهابية لا ثقافيا ولا تربويا ولا اجتماعيا، حيث أنّ الغاية ليست في القضاء على الإرهابيين فحسب بقدر النجاح في الحدّ من تفريخ المزيد من الإرهابيين داخل المجتمع التونسي أي كيفية إصابة هذه الظاهرة بالعقم...
هذا كما يتوجّب على الدولة التونسية التركيز على نقطتين هامتين في المستويين العملياتي والأمني لدعم هذه المعركة الشرسة، أولا عبر تعزيز مسألة التدريب والتكوين والتجهيز، خاصة وأنّ معركتنا مع الإرهابيين أصبحت اليوم أقوى من أي يوم مضى لذلك يتوجب خلالها تقوية جانب المعلومات الاستخباراتية والتنصّت للوصول إلى كل المعلومات التي تمكّن من تفكيك هذه الخلايا الإرهابية خاصة عبر اختراق منظومة معلوماتها واقتناء كل المعدات الحديثة للمساعدة على هذا ..
وأجدّد التشديد على ضرورة التسريع في تجهيز منظومتنا الأمنية بأهم الوسائل التكنولوجية الحديثة..
- هل تفكّر في تحويل «شبكة دستورنا» إلى حزب سياسي يدخل غمار الحياة السياسية ويكون من بين المنافسين في الانتخابات التشريعية القادمة؟
هذا غير مطروح إطلاقا فشبكة دستورنا هي شبكة مدنية وجمعية من جمعيات المجتمع المدني وستظلّ كذلك لأنّ إرادة منخرطيها ومناضليها هي مواصلة العمل والنضال داخل المجتمع المدني.. وهذه المسألة لا تتعلق بي شخصيا ولا بإرادتي ولا حتى بالمسار الذي يمكن اختياره لنفسي...
- وهل سنرى جوهر بن مبارك مترشحا للانتخابات القادمة؟
هذه مسألة واردة وانطلقت في التفكير بها، لكن المسألة بالنسبة لي ما زالت مجرّد خيار مفتوح ولم تنضج بعد.. لكن إلى حين بلوغنا الانتخابات المحلية والجهوية القادمة لربما سيكون الوضع مختلفا ويبقى كل شيء واردا..
- نترك لك المجال لاختتام هذه المصافحة لتبعث برسالة الى التونسيين؟
 بلادنا تمرّ بمرحلة خطيرة جدا يتوجب فيها على المسؤولين مصارحة الشعب التونسي بكامل الحقيقة دون إرباكه، حيث أنّ هذه المسؤولية في هذه المرحلة أصبحت مضاعفة فالوضع لا يتحمل الخطأ.. لذلك من واجب كل مسؤول اليوم يرى أنه غير قادر على تحمل هذه المسؤولية المضاعفة أن يترك مكانه لغيره..

حاورته: منارة تليجاني